ما مصير الليرة التركية وهل فعلاً تتعرض تركيا إلى مؤامرة خارجية؟ ..حقائق وتحليلات هامة

شارك الآن


ما مصير الليرة التركية وهل فعلاً تتعرض تركيا إلى مؤامرة خارجية؟ ..حقائق وتحليلات هامة

لنتعرف في بداية المقالة على مدى قوة الاقتصاد التركي كي نفهم الوقائع بالتفصيل

بلغ الناتج المحلي لتركيا عام 1960، 13 مليار دولار، وفي عام 1997 بلغ 261 مليار دولار، فيما وصل إلى 850 مليار دولار خلال العام 2017.

فإذا كان اقتصاد تركيا بهذه القوة، لماذا خسرت الليرة التركية أكثر من نصف قيمتها خلال العامين الماضيين؟

بداية الأزمـــة

بدأت المشكلة تتفاقم عندما اعتقلت تركيا قس أمريكي يدعى “أندرو برونسون”، منتصف العام 2018، في تهمة الإرهاب، حيث تم الرد بتصريح فوري من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

حيث صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية حينها, “برونسون بريء، و يتوجب علينا اتخاذ التدابير الرادعة لتركيا”، معلنةً بذات البيان فرض عقوبات اقتصادية على وزيرين تركيين.

فيما كان رد الرئيس الأمريكي السابق ترامب، بفرض ضريبة مضاعفة على صادرات تركيا للولايات المتحدة من “الفولاذ والألمنيوم”، وهنا تطور الموضوع إلى “أزمة دولية”.

حينها أعلن الرئيس التركي أردوغان، خلال مؤتمر صحفي, أن الدولة التركية تتعرض لهجوم اقتصادي، ودعى الأتراك من خلاله إلى ضرورة تحويل مدخراتهم إلى الليرة التركية، تلافياً لاستمرار تدهور قيمتها.

كما أعلن أردوغان أيضاً، عن مقاطعة المنتجات الإلكترونية الأمريكية، “آيفون وغيرها”، كرد مماثل من قبله، وحسب ما قال الرئيس التركي حينها، “آيفون” يمكن أن نستبدله “بسامسونج” ببساطة.

هل  تقف الولايات المتحدة فعلاً وراء تدهور الليرة المستمر؟

في عام 2007، كان الدولار الأمريكي، يساوي 1.18 ليرة تركية، وفي عام 2013 انخفضت قيمة صرف الليرة أمام الدولار إلى 2.00 .

وأيضاً في تاريخ 2018/5/1 وصلت قيمة صرف الليرة إلى 4.00 أمام الدولار الأمريكي، وكل هذا الانخفاض كان قبل أزمة “القس برونسون”.

والجدير بالذكر أنه, عندما بدأت تداعيات الأزمة التركية مع أمريكا، في منتصف العام 2018، بدأت الليرة التركية في الانهيار المتسارع، بحيث وصلت إلى مستوى غير مسبوق عند 7.24.

إذاً ما هو سبب تدهور الليرة التركية الحقيقي؟

مما سبق ذكره، نجد أن الليرة التركية غير مستقرة، ومنذ ما يقارب العشر سنوات الأخيرة و هي تفقد الكثير من قيمتها، مقابل العملات العالمية الرئيسية، فلماذا إذاً؟

بحسب تقارير صحفية، نُقلت عن محللين اقتصاديين على رأسهم “إنفر إيكان”، يعزى السبب الرئيسي لتدهور الليرة لاقتصاد تركيا التضخمي، وأن النمو الهائل الذي تشهده تركيا أدى إلى هذا التضخم المرتفع.

ففي الشهر السادس من العام 2016، بلغت نسبة التضخم التركي 15.9%، بحسب بيانات المركزي، و هذه النسبة تعتبر عالية جداً، مقارنةً بمعدل التضخم في أوروبا في ذات العام .

حيث بلغت نسبة التضخم الأوربي 2%، ما يعنيه أن التضخم في تركيا بلغ مستويات خطيرة للغاية، و دائماً يؤدي النمو الكبير إلى تضخم كبير.

لماذا يرتبط التضخم بالنمو ؟

حتى تحقق تركيا نسبة نمو عالية جداً، يتوجب على الشركات المثتمرة في تركيا، أن يتوفر لديها أرصدة لتعزيز النمو، وهو ما يمسى “السيولة النقدية”.

وهذه السيولة تمكن المصانع والشركات من تحقيق إنتاج أكثر، وتمكن المستهلك أيضاً من استهلاك أكبر.

النمو التركي

مؤشرات الاقتصاد التركي أمام باقي الدول

وصل النمو في تركيا عام 2017، إلى ما نسبته 7%، بحسب بيانات المركزي التركي، وفي الربع الأول من عام 2018، بلغت نسبة النمو 7.4%.

فيما بلغت نسبة النمو الأمريكي في ذات العام 2.3% فقط، ونمو الاقتصاد البريطاني بلغ أيضاً في ذات العام 1.8%، ما يعنيه أن النمو التركي يرتفع بمعدل عالي جداً مقارنةً بالدول العظمى.

كيف يتم تمويل النمو؟

يتم التمويل من خلال قروض خارجية للشركات التركية، ويذكر أن الحكومة التركية شجعت الاقتراض، من خلال الإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة.

وأيضاً من خلال تيسير الضمانات، التي أكد المركزي التركي على اتباعها.

ما يعنيه أن تركيا تتبع سياسة نقدية توسعية بامتياز، وبالتالي قامت الشركات التركية بالاستدانة بالدولار واليورو، وغالبا من خارج تركيا، لتحصيلها نسبة فائدة متدنية على الإقراض أكثر مما توفره تركيا.

والجدير بالذكر، أن ديون الشركات التركية يجب سدادها بالإضافة إلى الفوائد المترتبة، ومع تعسر السداد الناجم عن تدني قيمة صرف الليرة، تضاعفت الفوائد أكثر.

هذا لأن الفائدة على الدولار ارتفعت أيضاً، مما زاد من حجم مديونية الشركات التركية، الأمر الذي فاقم من مشكلة السداد.

الميزان التجاري

بحسب بيانات تركية مطلع العام 2016 نشرتها “وكالة الأناضول الرسمية”، وصلت قيمة الصادرات التركية إلى 156 مليار دولار، بينما بلغت وارداتها في البيان ذاته إلى 186 مليار دولار، و بقيمة عجز بلغت ثلاثين مليار دولار.

و في العام 2017 بلغت قيمة الصادرات التركية 157مليار دولار، فيما بلغت قيمة الواردات 234 مليار دولار، ما يعنيه أن قيمة عجز الميزان التجاري التركي بلغت 77 مليار دولار.

المستثمرين الأجانب في السوق التركي

بسبب تداعيات انهيار الليرة التركية، خرج الكثير من المستثمرين الأجانب من السوق بشكل تدريجي، وقاموا ببيع الأسهم المملوكة من قبلهم بالليرة التركية، و تحويلها إلى الدولار الأمريكي.

هذا ما “زاد الطينة بلة”، وأدى إلى ازدياد الطلب على الدولار داخل تركيا، الأمر الذي أدى إلى مزيد من الضغط على الليرة التركية.

سبب انهيار سعر الليرة التركية المباشر

يرى الكثير من “الخبراء الاقتصاديين العالميين” أن السبب المباشر سياسي، لكنه مدعوم من ارتباك اقتصادي ناجم عن نمو متسارع، وعجز تجاري متعاظم وديون كبيرة على الشركات التركية.

التدابير اللازمة لإنقاذ الليرة التركية

عند انخفاض قيمة العملة في أي دولة بالتزامن مع ارتفاع قيمة التضخم، يكون الإجراء المباشر الواجب اتخاذه “رفع نسبة الفائدة على الإقراض”.

وهذا ما يقلل من قيمة التضخم بشكل مباشر، ويساهم في تثبيت قيمة سعر الصرف.

وخلال المؤتمرات الصحفية للرئيس التركي، والتي تبثها القنوات الأخبارية المحلية، أعلن أردوغان مخاطباً الأتراك أنه يرفض هذا الإجراء تماماً، إلا أنه اقتنع في نهاية العام 2018 بضرورة رفع نسبة الفائدة.

حيث صرح أردوغان حينها, أن هذا الإجراء هو “شرٌ لابد منه”، الأمر الذي أسهم بشكل سريع في تثبيت سعر صرف الليرة عند المستوى 7.00 لأكثر من عام إضافي.

ما هو الحل حتى تستعيد الليرة التركية تألقها؟

يكمن الحل بالدرجة الأولى في مزيد من الرفع لأسعار الفائدة، وزيادة القيمة النقدية المسالة من القطع الأجنبي، من خلال تقليص حجم الاحتياطي النقدي و ضخه في السوق.

وأيضاً من خلال تقليل الطلب على الدولار الأمريكي، مثلاً من خلال الاستيراد بـ”الروبل الروسي واليورو وغيره..” مما يؤدي إلى تخفيف حجم تداول الليرة في السوق.

وفي إجابة على التساؤلات التي وجهها بعض المهتمين بالشأن الاقتصادي التركي، إلى بعض المحللين الاقتصاديين العالميين، يكمن الحل من خلال وقوف شركاء الدولة التركية معها.

وأيضاً, من خلال استخدام السياسة النقدية والتخفيف من السياسات الاقتصادية بسرعة قصوى، لمنع تفاقم المشكلة.

وفي ذات السياق، بحسب تقرير أعدته “وكالة الأناضول الرسمية” جرى اجتماع بين السلطة النقدية والبنوك التجارية.

حيث أكد فيها المركزي التركي خلال بيان مشترك، على استمراريته اتباع سياسة نقدية متشددة، والمحافظة على الإطار التشغيلي الحالي.

وأيضاً عدم التسليم بأنه سيتم خفض نسبة الفائدة في الوقت الحالي، وشدد على سعيه لتخفيض نسبة التضخم الحالية وجعلها آحاداً.

 

المصدر: المحلل الدكتور معن قطامين + وكالة الأناضول


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *