خاطرة اليوم بعنوان  كورونا والأزمة الاقتصادية

شارك الآن


بسم الله الرحمن الرحيم

خاطرة اليوم بعنوان

 كورونا والأزمة الاقتصادية

أ. د. محمد سهيل الدروبي

 

كنا قد تحدثنا في محاضرات ولقاءات عديدة خلال العام أو العامين الماضيين عن الأزمة الاقتصادية المتوقعه وعن آثارها المدمرة وأسبابها واستعرضنا مراحلها حيث تبدأ كأزمة مالية بمعنى اضطرابات في الأسواق المالية “البورصات” ثم أزمة اقتصادية تؤدي إلى خسائر كبيرة للشركات نتيجة انخفاض الطلب وبالتالي انخفاض الإنتاج مما يجعل هذه الشركات عاجزة عن الاستمرار في عملها وسداد ديونها والتزاماتها والاحتفاظ بعمالها وموظفيها وهنا تبدأ الأزمة الاجتماعية فمع ازدياد عدد العاطلين عن العمل والذين لا مورد لهم يكفيهم للحصول على متطلبات قيام حياتهم الأساسية تزداد الجرائم والاضطرابات الاجتماعية التي قد تؤدي إلى ثورات اجتماعية لا تتوقف إلا بالقضاء على الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية في البلدان المعنية، وقد ذكرت الأنباء البارحة أن عدد العاطلين عن العمل مثلا نتيجة كورونا في الولايات المتحدة الأمريكية وصل إلى حوالي 37 مليون عاطل، وأن عدد الأمريكين الذين لا يملكون الإمكانية المادية لشراء المستلزمات الحياتية الضرورية وصل إلى أكثر من 20 مليون أمريكي. ومن المؤكد أن الحكومات ستحاول أن تتجاوز هذه الأزمة بكل الوسائل بما في ذلك زيادة المعونات الاجتماعية و أنظمة الضمان الاجتماعي ودعم الشركات خاصة التي لديها الفرصة لتشغيل عدد جيد من الأفراد، إلا أنها لن تستطيع تحقيق نتائج حقيقية ومرضية. معظم الجماهير في دول العالم الغربي تلمس الأسباب وتعرف أن المسبب إنما هم المتسلطون على المصارف و الأموال وأعوانهم الحكام في هذه النظم الرأسمالية المتوحشة ولهذا نرى الاحتجاجات والمظاهرات في كل مرة تجتمع فيها الدول الغنية. في الوقت الذي بدأت بوادر الأزمة الاقتصادية تظهر ظهر وباء الكورونا وبدأ انتشاره الفظيع في كل أرجاء العالم. ولا يهم كثيرا هنا أن نفكر إن كان الكورونا مؤامرة أو من إنتاج بشري أو تسرب من مخبر أو أنها مجرد صدفة ظهوره وانتشاره في هذا الوقت بالذات، المهم أن نلحظ  أثار ظهور هذا الوباء. حيث كان من الواجب بداية تطبيق الحجر الصحي للحد من انتشار الوباء مما أدى إلى انخفاض الاستهلاك والطلب ومع انخفاض الإنتاج بدأت الشركات بتخفيض تكاليفها وطرد عمالها وتخفيض رواتب واستحقاقات من احتفظت بهم وهكذا نرى طبعا التطابق بين آثار الأزمة الاقتصادية وآثار الوباء من حيث انخفاض الإنتاج وأزمات المؤسسات الإنتاجية ولكن هنا يجب أن نلحظ نقطة هامة؛ أنه في الأزمة الاقتصادية المسبب معروف من قبل الشعوب ألا وهو النظام الرأسمالي الاستغلالي وبالتالي من الطبيعي أن تعتبر الشعوب أن عدوها هو هذا النظام ولا بد لخلاصها من الثورة عليه وتحطيمه، أما مع انتشار الوباء فالمسبب الظاهر هو الوباء وبالتالي لا يوجد عدو محدد يمكن أن نثور عليه ونحاسبه على ما حدث وما يحدث، ربما بالعكس نرى أن النظام الرأسمالي وحكوماته لبسوا جلد الوداعة والمساعدة وتباكوا على ما يحدث وقدموا المعونات بأشكال مختلفة بحجة التخفيف من آثار انتشار الوباء. وسواء كان الوباء عملية بشرية مقصودة كما يذكر أصحاب نظرية المؤامرة أو بلاء من الله للبشرية فمن الواضح أنه تم استغلاله من قبل السلطات الرأسمالية للتغطية على الأزمة الاقتصادية و أسبابها الحقيقية النابعة من طبيعة النظام الرأسمالي و أسسه وآلياته.

فللقضاء على الظلم والفقر وتحقيق العدالة لابد من تحطيم أسس هذا النظام المتوحش وإرساء نظام اقتصادي عادل. ونعني بالاقتصاد العادل أن لا ندع الفرصة لواحد بالمئة من أثرياء العالم أن يتملكوا ما يعادل 82 بالمئة من ثروات العالم كما هو الحال اليوم. هذا من جهة ومن جهة أخرى، أن يكون الاقتصاد اقتصادا حقيقيا والفرص متاحة للجميع بنفس الطريقة وأن لا يكون للمال وحده القدرة على الكسب، فالمال لا يتكاثر بطبيعته إلا لو اندمج مع عمل أو تحمل للمسؤولية، هذا باختصار ما نعنيه بالاقتصاد العادل.

و أود هنا أن أشير إلى بعض القضايا الجزئية التي وردت في أسئلة وردتني من بعض الأخوة الأفاضل خلال الفترة الماضية. أحد الأسئلة طلبت مني التعليق على انخفاض أسعار البترول وهل هي فعلا بسبب اتفاق سعودي روسي على تخفيض الأسعار للإضرار بإنتاج الولايات المتحدة الأمريكية للبترول الصخري الجواب: ربما ولكن لا أظن من حيث المبدأ أن تتفق السعودية وروسيا بدون معرفة الولايات المتحدة الأمريكية هذا أولا. ثانيا إن انخفاض الإنتاج نتيجة كورونا والأزمة الاقتصادية سيؤدي تلقائيا إلى انخفاض الطلب على الطاقة وطبعا انخفاض الطلب على البترول ومع انخفاض الطلب من الطبيعي أن تنخفض الأسعار وخاصة أن أكبر مشتري البترول في العالم هي الصين والصين انخفض انتاجها للمرة الأولى انخفاضا كبيرا وبالتالي فإن الطلب على البترول سينخفض وبالتالي ستنخفض الأسعار تلقائيا ولا أتوقع أن ترتفع الأسعار بمعدلات جيدة إلا بعد أن تنتهي أزمة كورونا و تنتهي الأزمة الاقتصادية.

السؤال الثاني: هل تنصح بالمضاربة في منصات التداول على البترول أو شراء البترول حيث أنه الآن بأسعار منخفضة ويتوقع أن يرتفع خلال الفترة القادمة؟

جوابي: قطعا لا، لمجموعة عديدة من الأسباب اولها؛ أنها حرام شرعا، فالمضاربة أشبه بالمقامرة بل هي مقامرة فعلا وبالتالي لا يمكن أن أنصح بها أيا من الأخوة الأفاضل. من جهة أخرى، في الواقع أن المضاربة في المواد والعملات هي فخ للمضارببن والمستثمرين خاصة الصغار منهم. بالأمس القريب 20.04.2020 وصل  سعر الخام الأمريكي  في العقود الآجلة إلى ناقص 37.65 دولار في البرميل بمعنى أن البائع سيدفع لمشتري العقود الآجلة عن كل برميل 37 دولار وأكثر، لنرى كيف سارت الأمور بالأمس في بداية اليوم وعندما تلقيت السؤال كان سعر البرميل حوالي 10 دولارات أمريكية بعد سويعات قليلة انخفض إلى دولار ثم انخفض إلى ناقص 3.5 دولار ثم ناقص 7 ثم بالتدريج وصل إلى ناقص 37.65 دولار.

طبعا انتم تعلمون ان المضاربة في المنصات عادة تتم عن طريق مؤنة بمعنى أن المضارب يدفع نسبة بسيطة تتراوح بين 0.1 و2% بشكل اعظمي من قيمة الصفقة التي ينوي شراءها وهذه المؤنة أو  Margin  لو ارتفع السعر من حقه أن يزيد الربح له واذا انخفض السعر واستغرقت انخفاض السعر هذه المؤنة فمن الطبيعي أن يخسر مؤنته وعادة هذا ما يحدث لو أن شخصا رأى أن البترول صفر أو ناقص 3.5 دولار فسيفكر أن تكلفة إنتاج النفط لا يمكن أن تكون صفرا وبالتالي لابد أن السعر سيرتفع فيشتري ويضارب، لنفرض انه اشترى مئة ألف برميل على سعر ناقص 3.5 ودفع مؤنة لنفترض ألفين أو ثلاثة آلاف دولار أو خمسة آلاف دولار أودعها وبعد ساعات ينخفض السعر مرة أخرى إلى ناقص 7 دولارات ففي هذه الحاله هو خسر مؤنته الأولى الثلاثة آلاف دولار أو الخمسة الاف دولار التي دفعها ولكن يبدأ الإغراء مرة أخرى يقول الآن ناقص 7 دولارات بالتأكيد هذه تكفي ربحا حتى لو بعنا البترول أي العقد الاجل بصفر فيشتري كمية أخرى ويضع مؤنة أخرى وهكذا دواليك ينخفض السعر مرة أخرى إلى ناقص 37 فيخسر مؤنته ثم يغريه الحال بشراء كميات جديدة بمؤنه جديدة وبالتالي يحقق خسارات في كل مراحل مضارباته.

ويمكن أن نتلمس أسبابا أخرى لانخفاض أسعار النفط مثلا نحن نعلم أن في منطقة الشرق الأوسط وفي دول عديدة من العالم يعتمد الدخل القومي لها حصرا على النفط أو في معظمه على النفط مثال دول الشرق الأوسط ودول الخليج حيث تصل أحيانا إلى 98 بالمئة من إجمالي الدخل القومي. طبعا هذه الدول وضعت ميزانياتها خلال الأعوام الماضية وهذا العام على أساس توقع أن سعر البرميل سيكون في المتوسط فوق ال 50 دولار وبشكل أدق دول عديدة كالعراق وأظن السعودية  كانت تتوقع أن سعر البترول سيكون بحدود 56 دولار وسطيا وعلى هذا الأساس وضعت ميزانياتها وخططها ولكن عندما يصبح سعر البترول 20 دولار أو أقل للبرميل معنى هذا انها فقدت أكثر من 60 بالمئة من إيراداتها المتوقعة ولتغطية هذا الفارق ستضطر لإنتاج المزيد وبيع المزيد من النفط وهذا بالتالي سيؤدي إلى انخفاض السعر.

‏22‏ نيسان‏، 2020


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *